ولادته ونشأته:
ولد الشيخ محمد محمود الحامد في مدينة حماة سنة 1328هـ 1910 م، لأسرة متديّنة فاضلة، ونشأ يتيمًا فقيرًا، فقد توفي والده وعمره ستة أعوام، ثم ما لبثت أن توفيت والدته في السنة نفسها.
كفله أخوه الأكبر بدر الدين البالغ من العمر خمس عشرة سنة حتى أكمل دراسته الابتدائية سنة 1922 م، ثم اشتغل في محل خياطة نهارًا، وتابع طلب العلم الشرعي في المساجد ليلًا.
سيرته العلمية:
- لم يغفل بدر الدين عن تعليم أخيه محمد حتى في أشد أيام البؤس، فقد أدخله المدرسة الابتدائية ، وهو ما يزال في الفترة التي كان يعيش فيها عند الأسر الفقيرة في أطراف البلد، وأيقظ فيه روح الجد، لما كان يرى فيه من مخايل الذكاء، نال الدرجة الأولى على رفاقه في الصف الأول، وفي السنة الثالثة من دراسته إنفرجت الحياة قليلاً لأخيه بدر الدين من بعد إنسحاب الأتراك من سورية وقيام الحكم الفيصلي فيها، حيث عمل أخوه معلماً ابتدائياً، واستمر الأمر هكذا حتى أنهى محمد مرحلة الدراسة الابتدائية،
- وتخرج من الصف السادس سنة 1922م، فأدخله أخوه المدرسة الإعدادية، لكن محمداً لم ينسجم مع بيئته الجديدة في المدرسة، وشعر بنفره منها، وبدا عليه التقصير في دروسها، فإن ميله إلى العلم الشرعي والتزامه حلقات بعض الشيوخ في طلبه، وسلوكه الديني الصارم، فأحس أخوه أنه يحمله على الذهاب إليها حملاً، فأخرجه من المدرسة الإعدادية سنة 1923م، ووضعه عند معلم خياطة للملابس العربية ليتعلم عنده مهنة الخياطة، ويتابع معها طلب العلم الشرعي كما يريد فكان محمد يعمل في النهار في الدكان، ويحضر بعد المغرب دروس العلماء في المساجد، وينضم بعد العشاء إلى الحلقات الخاصة لطلب العلم، إلى أن افتتحت في حماة مدرسة دار العلوم الشرعية سنة 1924م، فرغب محمد في دخولها، وكان أخوه بدر الدين في تلك السنة في دمشق يتمم دراسة الصف الأخير من دار المعلمين، فأرسل خاله الشيخ سعيد الجابي يستشيره في إدخاله فيها، فأقر بدر الدين الفكرة، وعلى الفور ترك محمد دكان الخياطة، ودخل المدرسة الشرعية، التي كانت أسعد أيام حياته، فرغم صغر سنة بين أقرانه من طلاب المدرسة كان الأول بينهم. وما كان رحمه الله يهتم لشؤون المعيشة، إنما كان همة في إرواء ظمأه العلمي وإشباع طموحه الفكري، ولم تكن المدرسة الشرعية كافية له بل كان يتردد صباحاً ومساءً على الدروس العلمية الخاصة التي كان يعقدها الشيوخ في المساجد لخواص طلابهم، حتى بلغ عدد الحلقات العلمية التي كن يحضرها تسع حلقات في اليوم، سمعت هذا منه رحمه الله تعالى.
- تلقى العلوم الشرعيّة على خاله الشيخ سعيد الجابي، والشيخ محمد سعيد النعساني، وتوفيق الصباغ وغيرهم، ثم التحق بدار العلوم الشرعيّة بحماة سنة 1342ه – 1924م. فكان ذا نبوغ لفَتَ أنظار علمائها، حتّى قال فيه الشيخ أحمد الشّماع: “بحرٌ لا تنزحه الدلاء”.
- ثم توجّه إلى المدرسة الخسرويّة الشرعيّة بحلب سنة 1346ه- 1928م و كان من شيوخه في حلب الأستاذ الشيخ أحمد الزرقا الفقيه الجليل، و الشيخ أحمد الكردي مفتي الحنفية في حلب، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ إبراهيم السلقيني العالم العامل والتقي الورع، والشيخ محمد الناشد، والشيخ راغب الطباخ، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ عبد المعطي، والشيخ فيض الله الأيوبي الكردي المحقق العظيم في علمي التوحيد والمنطق، والشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية في حلب وهو والشيخ عبد الله حماد الباقيان في قيد الحياة من مشايخي، جزاهم الله خير الجزاء وبارك عليهم أحياءً وأمواتاً.
- أخذ الطريقة النقشبنديّة عن الشيخ أبي النصر سليم خلف الحمصي، وسلك طريقة التصوّف.
- وفي سنة 1353هـ عاد رحمه الله على مدينة حماة بعد أن أنهى دراسته في حلب، ولم تطل فترة استقراره في حماة، فقد رحل عنها سنة 1356هـ إلى مصر، ملتحقاً بالأزهر الشريف، ونال العالميّة في العلوم الشرعيّة سنة 1362/1942م وتخصّص في القضاء.
- واتصل خلال إقامته في مصر بحسن البنا، وصحبه وتتلمذ عليه في العمل الحركي الدعوي وكان رفيق رحلته في مصر الشيخ مصطفى السباعي.
العودة إلى حماة ( فترة جهاد المحتل الفرنسي )
- في عام 1362هـ / 1942م عاد رحمه الله إلى حماة، ليعيش آخر مراحل حياته. وفي هذه المرحلة أثمرت جهوده، وأينعت ثماره، ومع أنها مرحلة الاستقرار؛ فإنها كانت أكثر مراحل حياته، تعباً ومشقة، فهي مرحلة الجهاد، فلما عاد الشيخ إلى حماة، كانت البلاد في ذروة جهادها الوطني من أجل الحصول على الاستقلال، وهذا أحد الأسباب التي دفعت الشيخ للرجوع إلى بلده. ليضم صوته إلى أصوات المطالبين بالاستقلال، ويذكي بخطبه الحماسية جذوه النضال والجهاد في قلوب الأمة، داعياً إلى الثورة على المستعمرين، وتطهير البلاد منهم، وهو الأمل من عمره الذي كان يراوده منذ رآهم يدخلون البلاد، وكان وقتئذ في العاشرة من عمره، ودعا الله سبحانه وتعالى ببراءة الطفل وصفائه، أن يريه خروجهم من حماة كما شاهد دخولهم، ولقد حقق الله أمنيته هذه، وأقر عينه برؤيتهم يخرجون من نفس الشارع، ومن أقواله ضد الإستعمار ” أيها الإخوان لقد استخفت فرنسا بنا، وخاست بكل العهود، ولم ترع للمواثيق حرمة، لقد طلبت منا آخراً أن نقبل أموراً، فيها ترسيخ أقدامها في هذه البلد واستعباد أهلها، فاغضبوا ثم اغضبوا، وثوروا ثم ثوروا، فما عاد السكون ينفع، وما عاد السكوت يفيد، لقد كان نبيكم صلوات الله عليه وسلامه يرتجز هو وأصحابه قائلين : *
إن المشركين قد بغَوا علينا=وإن أرادوا فتنة أبَيْنا أبَيْنا أبَيْنا
وما أجدرنا إعادة ذلك الرجز قائلين :
هذي فرنسا قد بَغَت علينا=وإن أرادتْ فتنةً أبيْنا
أبَيْنا أبَيْنا “
ولم ينقطع – رحمه الله تعالى – خطبة المنبرية أيام الجمع في أشد ساعات الخطر، فلقد خطب وطائرات المستعمرين تضرب حماة، وتلقي قنابلها على المساجد؛ ولما وقت مأساة فلسطين، تألم الشيخ كثيراً، ودعا إلى الخروج للجهاد وأراد أن يخرج بنفسه، ولكن كبار العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة الأمة إليه، ولكثرة عدد المجاهدين، ولقد استحوذت قضية فلسطين على اهتمامه، فخصص لها الكثير من خطبه المنبرية، وكتب عنها عدداً من المقالات في الصحف والمجلات، وكان يرى رحمه الله تعالى، أن حالنا مع اليهود لا تحلها إلا القوة، وكان دائم الوصية للشباب، لينضموا إلى الجيش، ويكونوا من ضباطه وجنوده، وفي عام 1956م أثناء الاعتداء الثلاثي على مصر انضم الشيخ إلى صفوف المقاومين الشعبيين، وحمل السلاح بنفسه، وكان يخرج على رأس إحدى المجموعات إلى حقول التدريب .
- جهَادُهُ الاجتماعي
منذ أن استقلت البلاد، أدرك الشيخ –رحمه الله تعالى –أن الأمة أصبحت على مفترق الطرق، فقد ظهرت فيها دعوات مختلفة الاتجاهات، تدعو إلى الميوعة، والتحلل من التكاليف الدينية، ونشر الفساد في البنية الاجتماعية للأمة؛ وذلك بتشجيع السفور والتبرج، واختلاط الرجال والنساء؛ فضلاً عن أفكار تشكك الناس بعقيدتهم وتدفعهم إلى الإباحية والإلحاد.
ورأى أن واجبه الأول في هذه الحياة، أن يقف في وجه هذه التيارات، وأن يعمل للحفاظ على عقيدة الأمة وذاتيتها المستقلة، وكيانها المتميز، فقام رحمه الله تعالى بهذا الواجب، متحملاً كل متاعبه ومسؤولياته، ومعرضاً نفسه لمخاطر جسيمة .
- جهَادُهُ التعليمي
المدرسة والمسجد هما الميدانان الرئيسيان لجهاده التعليمي.
أما المدرسة فقد كانت مركز عمله الرئيسي، فمنذ أن عاد من مصر، اختار طريق المدرسة، وفضله على منصب القضاء، لأنه رحمه الله كان حريصاً على نشر العلم، مع أن منصب القضاء كان ميسراً له.
أما المسجد، فقد كان الميدان الثاني لجهادة التعليمي، وكما كانت وسيلة لاتصاله بالطبقة المثقفة في الأمة، كان المسجد وسيلة اتصاله بأفراد الأمة جميعاً، يلتقي بهم كل جمعة في خطب المنبرية التي كان يتناول فيها موضوعات مختلفة. بعضها في العقيدة، وبعضها في عرض مسائل علمية يحتاج إلى معرفتها الناس، ويختار في أكثر خطبه المواضيع ذات الصلة بحياة الأمة.
و لقد كان الشيخ داعية خير، ووئام بين الناس، يكره الفتن، ويحارب الانحراف بلسانه وقلمه، ويحرص على تطبيق الشريعة في جميع شؤون الحياة، وشهد له أعداؤه قبل أصدقائه بالإنصاف، والجرأة، والأمانة، والورع.
ويعود له الفضل في إعادة السلام إلى حماه والمدن السوريّة سنة 1384/1964 عندما اعتصم الشهيد مروان حديد في جامع السلطان، الذي هدم فوق أهله، وسقطت مئذنته، ثم ما تبع ذلك من أحداث، فقام بتهدئة الخواطر على رأس وفد من أهل المدينة وتصدى لموجات الإلحاد التي فشت في الجيل الصاعد، وعمل على رد الشاردين عن الحقيقة إليها، وعمل على تغذية الشاردين بالعلم الواقي، والمعرفة الدارئة، كي تقوى فيهم ملكة المناعة الإيمانيّة، وكان يرى أن الرجوع إلى الإسلام الصحيح هو طريق الخلاص من الانحراف، والاختلاف .
شعره:
كان الشيخ رحمه الله شاعراً موهوباً له شِعْر جيد وأخوه بدر الدين شاعر جيد، كان له شعر جهادي قوي أيام الفرنسيين، واشتهر بقصائده الوطنية:
ومن شعر الشيخ:
آهاً على وادي حماة إذا نسيم الصبح هبّا
آها على تلك الربوع وأهلها بعداً وقرباً
النهر يخترق الرياض وقد جرى حلواً وعذباً
دولابه يبكي ويس قي الدمع فاكهة وأبّا
أَنّى أرى ذاك الحمى إني رأيت البُعد صعبا
وقال – من قصيدة – عندما خرج من مصر وانتهى من الدراسة النظامية فيها :
ذُبت يا مصر مُذ عزمت رحيلاً
ولو استطعت عشت فيك طويلاً
وقال أيضاً:
ياعين جُودي بدمع منك مدرارِ
على زمان مضى والأهل والدارِ
أيام أرتع في ظل النعيم ومن
طيب حسرة قد قضيت أوطاري
فإن ذكرت الحمى حَنّ الفؤاد له
إذ في المصائب قد قضيت أسفاري
لكن الشيخ على كثرة أشعاره آثر العلم على الشِعر، وقد كتب في هذا الأمر رسالة إلى بعض تلاميذه يقول فيها:
“يا بني لأَن تكون عالماً فقيهاً خير لك وللأمة من أن تكون شاعراً أديباً، إننا إلى أن يكون منك عالم محقق أَحْوَجُ منا أن ينشأ منك شاعر مغلق… لابأس بقليل منه يُنظم في الأغراض الشريفة والمقاصد الحسنة، أما انصراف الهمة إليه فخسرانٌ أَرْبأُ بك عنه …”.
مرضه ثم وفاته:
- كان قد مرض الشيخ رحمه الله تعالى بداء السكري و بقي هذا المرض حوالي خمس سنوات حتى تطور المرض الى تشمع الكبد، و كان من أهم أسبابه، تلك الأحداث الخطيرة التي واجهته في حياته؛ سواء منها ما حل ببلدته حماة خاصة، أو ما حلّ بالعالم الإسلامي عامة.
- و تفاقَمَ مرض الشيخ حتى كان يقيء الدم في نوبات حادة، ولمّا اشتد به المرض ذهب إلى لبنان للعلاج وأُجريت له عملية جراحية ثمّ أُعيد إلى حماة فمكث ثلاثة أيام.
- فاضت روحه الطاهرة ليلة التاسع عشر من صفر بعد العشاء، وكان ذلك عام 1389هـ الموافق لمساء 5 من أيار 1969م، رحمه الله.
مؤلفاته:
المطبوع منها
ـ نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام.
ـ ردود على أباطيل. وهو كتاب ضخم، طبع الجزء الأول منه وهو مجموعة رسائل فقهية، بعضها طويل وبعضها متوسط، ومجموعة أسئلة فقهية وأجوبتها.
ـ كتاب في تحريم نكاح المتعة في الإسلام.
والمطبوع من الرسائل:
ـ حكم الإسلام في الغناء.
ـ رحمة الإسلام للنساء.
ـ آدم لم يؤمر باطناً بالأكل من الشجرة.
ـ القول في المسكرات وتحريمها من الناحية الفقهية.
ـ حكم اللحية في الإسلام.
ـ التدارك المعتبر لبعض ما في كتاب القضاء والقدر.
ـ بدعة زيادة التنويرات في المساجد ليالي رمضان وغيرها.
ـ لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية.
ـ حكم مصافحة المرأة الأجنبية.
وأما الذي لم يطبع بعد فهو:
ـ القسم الثاني والثالث من كتاب الردود.
ـ تعليقات وحواش على كتاب الهدية العلائية لم يتمه رحمه الله تعالى.
ـ تعليقات وحواش على كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي. لم يتمه أيضاً.
كتبوا عنه:
كتب في سيرته الذاتية (العظات والمحامد في سيرة الشيخ محمد الحامد)
وألف في سيرته عبد الحميد طهماز (المحامد من حياة العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد)
وكتب ابنه الشيخ محمود الحامد (الشيخ محمد الحامد ـ حياته وعلمه وجهاده)
وعبد الله الطنطاوي (الإمام المجاهد محمد الحامد)
و الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي: أفرد فصلاً من كتابه (من الفكر والقلب) للحديث عن سيرة الشيخ محمد الحامد وتجربته معه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ